مقدمة
من المُحرَّمات في كل النظم التعليمية و في كل بلاد الدنيا أن يسطو طالبٌ على مادةٍ علميةٍ لا يملكُها، و قد أرَّقت هذه الظاهرةُ و أتعبت القائمين على النظم التعليمية فاجتهدوا للقضاء عليها بأسلوبٍ أو بآخر، إلا أن أنجع الأساليب و أكفأَها اكتشافاً لعملية الغش هو فاحص الغش أو الانتحال الأكاديمي.
قد يختلطُ مصطلحُ الغش أو الانتحال الأكاديمي أو السرقة الأدبية على البعض بالرغم من بساطته و وضوحه، إلا أننا هنا سنوضحه تفصيلاً حتى لا نترك مجالاً للتأويل:
1- تعريف الغش أو الانتحال الأكاديمي أو السرقة الأدبية:
هو تقديمُ الطالب لعملِ أو أفكار شخصٍ أو طالبٍ آخر على أنها أفكاره أو عمله الشخصي من دون إذنٍ أو تخويلٍ أو حتى بإذنٍ من صاحب العمل الأصلي و من ثم دمجُ ذلك العمل أو تلكُمُ الأفكار في عمل الطالب ويكأنها من إنتاجه هُو، دون بالإشارة إلى ذلك، سواء كان ذلك العمل المُشار إليه مخطوطاً أو مطبوعاً أو كان إلكترونيا.
و لا فرق هنا بين الغش أو السرقة الأكاديمية عن قصدٍ أو عن غير قصدٍ أو إهمال، و سواءٌ كان الغش عن قصدٍ أو غير ذلك فقد وقع صاحبه في مخالفةٍ لضوابط الإمتحانات مما يوقِعه تحت طائلة القانون الصارم في هذا الشأن و وجوب إصدار مخالفةٍ تأديبية.
ضرورة إقرار الطالب و اعترافه بالاستعانة بعمل أو أفكار آخرين لا تنطبق فقط على النصوص و إنما تتعدى ذلك إلى وسائل أخرى كالرسوم التوضيحية و الرسوم البيانية، و ينطبق ذلك على كل نصٍ منشورٍ أو غير منشور و منقولٍ سواءً من كتاب، صحيفةٍ أو مجلةٍ. سواءً سيقت البيانات من محاضرةٍ أو أُطروحاتٍ أو مقالاتٍ فينبغي الاعتراف بذلك في مكانه.
أفضلُ طريقةٍ لتجنب الوقوع تحت طائلة الغش أو السرقة الأكاديمية أو الأدبية هي أن يتعلم الطالب و يُطبق مبادئ الممارسة الجيدة من أول يومٍ وطِأت قدماه الجامعة، تجنب الوقوع في الغش ليس فقط اللعب بالكلمات و تحويرها أو كتابة المراجع في مكانها و إنما أن يُطلق الطالبُ لمهاراته الأكاديمية العنان للوصول بعمله إلى أفضل ما يُمكن.
2- صنوف و أنواع الغش أو الاختلاس الأكاديمي:
- النقل الحرفي، و هو أن ينقُل الطالبُ كلمةً بكلمةٍ من دون أن يُفصِحَ عن ذلك صراحةً و في مكانه. فالاقتباساتُ يجبُ أن تكون مُحددةً و مُوضحةً بالعلامات الدالة على الاقتباس، علاوةً على ذكر المصدر تفصيلياً بحيثُ لا يُتركُ أيُّ مجالٍ للشك.
- النقل الحرفي من الشبكة العنكبوتية، و هو أن يقوم الطالب باستقطاع نصٍ كاملٍ من الشبكة العنكبوتية و نقله كما هو في ورقته دون التصريح بذلك في الفهرس.
و هنا ننوه إلى أن بعض المواد المتاحة عبر الوسائط الإلكترونية لم تخضع لتقييم المُختصين و بالتالي لم تحظى بتأييدهم للنشر، و عليه فقد يقع الطالب في محظورين إذا ما استعان ببعضٍ من تلك المواد. سيسود بالتالي إنطباعٌ لدى المُدققين لورقته بأن الطالب لم يسرق مادةً علميةً فقط و إنما نقلها بدون وعيٍ منه أو تمحيص، مما سيكون له بالغُ الأثر على الطالب فيما بعد.
- إعادة الصياغة، و هي أن يقوم الطالب بإعادة الصياغة لعملِ شخصٍ آخر عن طريق تغيير بعض الكلمات أو الحفاظ على بنية النص كما جاءت في الأصل. مُجرد المرور على إسم صاحب العمل الأصلي من خلال النص المنقول و المُعادة صياغته ليس كافياً، حيثُ يجبُ على الطالب ألا يخلق انطباعاً مغلوطاً بأن الصياغة أو حتى تسلسل الأفكار كلها من إنتاجه هو. و الأفضل أن يكتب الطالب مُلَخّصاً لما استعان به من عمل الغير و توضيح ذلك النقل و مدى تأثيره على عمل الطالب و استفادته منه. على أن يُصرِحَ الطالب بالمصدر في موضعه (الفهرس).
- التواطؤ، قد يعني هذا تعاوُناً غيرُ مقبولٍ أو مُصرّحٍ به بين طالبين لينتفع أحدهما أو كلاهما بعمل الآخر، و الإخفاق في الالتزام الدقيق بقواعد العمل الجماعي و خاصةً فيما يتعلق بالمشاريع الدراسية قد تودي بالطالب تحت طائلة الغش مما يستوجب مخالفةً تأديبية، و لكم نسوق مثالاً حياً لمُبتعثين قد تشاركا في مشروعٍ دون الالتزام بالحد الأقصى المسموح به في ذلك الشأن، ترتب على ذلك وجوب إعادتهما للمشروع مع إعادة السنة كاملةً دون حضور. و في حالةٍ أُخرى قررت الجامعة ضرورة إعادة الطالبين للمشروع دون حضور لكن بعد فاصلٍ يمتدُّ لعامٍ دراسيٍ كامل، أي أن الطالبين سيُمضيان عامين كاملين لإعادة المشروع، و الأهم هنا أيضاً أن وزارة التعليم العالي و البحث العلمي و الإبتكار قد لا توافق على كفالة الطالب في هذه الحالة و قد تُلغى البعثةُ لاستنفاذ الفترة المسموحة.
- الاستشهاد غير الدقيق، من الأهمية بمكان الاستشهاد الدقيق بما يُراعي الاتفاقيات و الضوابط المعمول بها و حسب النظام القائم بالجامعة، علاوةً على تسجيل كافة المصادر في الفهرس. كما يجب الإشارة إلى الاستشهاد و ذلك باستخدام الحاشية (الهامش) أو ذكر المصدر الذي من خلاله تم نقل النص، أضف إلى ذلك عدم تضمين أيُّ شيء بالفهرس لم تتم الاستعانةُ به من الأساس، بمعنىً آخر أن يُقِرَ الطالب في الفهرس باستعانته بفكرةٍ أو نصٍ ما لكاتبٍ أو شخصٍ آخر في ورقته من دون أن يستعين بها فعلياً.
و إن لم يتمكن الطالب لسببٍ أو لآخر من الوصول إلى المصدر الرئيسي الذي منه تُستقى المعلومة المطلوبة و اضطُر للاستعانة بمصدر ثانويٍ آخر فعليه توضيحُ ذلك كأن يذكر أنه قد استعان بمُؤَلَّفٍ بعينه يناقشُ الفكرةَ الأساسيةَ لمؤلِّفٍ آخر الذي يملك الحق الأصيل لهذه الفكرة.
- عدم الإعتراف بالمساعدة، من الأهمية بمكان الاعتراف بتلقي المساعدة من شخصٍ آخر في حال تلقي المساعدة، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك طالبٌ قد استعان بطالبٍ آخر من مستوىً أفضل في اللغة بحيثُ تمكن المشرفين على الطالب من اكتشاف استعانته بطالبٍ آخر من مستوى اللغة المكتوبة و التي تتفوق كثيراً عمّا هو معروفٌ عنه و بالتالي تم تحويل الطالب إلى لجنةٍ تأديبية و اتُّخِذ القرارُ بوجوب إعادته للمادة، و من الجديرُ بالذكر أن العقوبة كادت أن تكون أفدح في نتائجها إلا أن اعتراف الطالب قد مكَّن اللجنة التأديبية من تخفيف العقوبة إلى إعادة المادة فقط.
- الإستعانة بمادة علمية لأشخاصٍ آخرين و نِسبته كاملاً للذات، قد يظُنُ طالبٌ أن بإمكانه الاستعانةُ بعملٍ كاملٍ لشخصٍ آخر من نفس الجامعة أو من جامعةٍ أخرى و تقديمه على أنه عمله هو، إلا أن ذلك يستحيل على أرض الواقع لسهولة الوصول إلى المصدر عند إخضاع النص للتحليل. على سبيل المثال فقد تمكن أحد الطلاب من الوصول إلى مشروعٍ كاملٍ لأحد طلاب جامعةٍ أخرى و قام بتغيير الإسم فقط ، و نسيَ إلغاء رقم الطالب صاحب العمل ثُم قام بتقديمه عن طريق موقع جامعته، إلا أنه كان محظوظاً جداً أن قام بتسليم المشروع بعد انتهاء الوقت المحدد لذلك بقليل، فكان قرار الجامعة في صالحه بإعادة المشروع لكن من دون حضور.
3- لماذا ننظر إلى الغش كأمرٍ مهم
الغش هو خرقٌ للنزاهة الأكاديمية، و ينبغي على كل القائمين على العملية التعليمية بما في ذلك الطالب أن يُدرك و يعترف بأن المبدأ الأساسي للأمانة العلمية و الفكرية هو أن يُردُّ الشئ إلى منشأه و أن يُدين الفرد بما نقل إلى صاحب الفكرة أو الكلمة و التي تُمثِّل أساس عملهم.
تجاوز عمل الآخر و تمريره كعمل أصيلٍ قام به الطالب ليس فقط ضعفٌ في المعرفة، لكن يعني أيضاً الفشل في إكمال العملية التعليمية. الغشُ سلوكٌ غيرُ أخلاقي ربما يودي بصاحبه مورداً خطراً على مستقبله العملي، و يعمل على تقويض المعايير المُتبعة للمؤسسة التعليمية و على الشهادات التي تصدُرُ عنها.
4- لماذا يجبُ أن نتجنب الغش؟
هناك العديد من الأسباب التي توضح أهمية أن يتجنب الطالب الغش أثناء العملية التعليمية، أوّلُها و ليس بأقلِّها أن الطالب قد سُجِّلَ بالجامعة كي يتعلم أن يتحدّث عما يجولُ بخاطره هو لا أن يقتبس و يتبنى أو ينسب عمل الآخرين لنفسه.
قد يبدو بادئ الأمر أنه من العسير أن تتطور آراء الطالب و أفكاره أو أن تكون لديه آراؤه الخاصة في البداية و قد يلجأ إلى الإقتباس و النقل من أعمال الآخرين كنوعٍ من المُقاربة بينها و بين حُجّته و نسبها إلى نفسه كأنها من صميم أفكاره هو. على أي حال فإن الأهم هو أن يتعلم الطالب أن يُطور من نفسه و أن يتحدث بصوته هو لا أن يتبنى صوت الآخرين، فمن غير المتوقع أو المطلوب من الطالب أن يكون مُفكِّراً أصلياً، لكن من المتوقع أن يكون مُستقِلاً في تفكيره عن طريق تناول أعمال الآخرين بفكرٍ ناقد، و على الطالب أن يوازن و يقارن ما بين حُجته و حجة الآخرين و من ثم الوصول إلى نتائجه هو. يجب أن يكون الطالب طموحاً لتقديم و إنتاج أفضل ما لديه من عمل ذا جودة عاليةٍ.
5- ما الذي سيحدُثُ إذا ما اتُهِمَ طالبٌ بالغش؟
تأخذ الجامعات و المؤسسات التعليمية الغش على محمل الجد و تعتبره سلوكاً مُخِلاً و خطيراً على العملية التعليمية و على كفاءة خرّيجيها و على سمعتها بالأساس، و عليه فقد تبنت كل مؤسسة تعليمية نظام تدقيق صارمٍ لخطورة هذه الظاهرة، و لذلك فإن العقوبات في هذه الحالة تمتد ما بين خصمٍ من درجات الطالب إلى الفصل النهائي من الجامعة، و تعتمد العقوبة على طبيعة و خطورة الحالة المعروضة على لجنة التقييم المُؤلفة للنظر في هذا الشأن. و قد تكون العقوبة حتى لو كان الغش غير مُتعمد.
يتم تحويل الحالة إلى مجموعة من المراقبين للفحص و التقصي و ستقوم هذه اللجنة باستدعاء الطالب للمساءلة فإذا لم يكن هناك دليل على ارتكاب مخالفة أو خرقٍ من أي نوعٍ للقواعد و اللوائح المعمول بها في هذا الصدد فلن يكون هناك أي إجراء تأديبي، لكن قد يكون هناك عقوبةٌ أكاديمية. لكن إن استقر في ضمير اللجنة أن هناك مُخالفةٌ قد ارتُكِبَت فسيقوم المراقبون بتحويل الحالة إلى اللجنة التأديبية، و في هذه الحالة فعلى الطالب اللجوء إلى مكتب الطلاب و الذي سيضطلع بمهمة مساعدة الطالب و الحضور معه خلال جلسات الإستماع.
بعد ذلك و في حال استُنفِذت درجات الاستئناف داخل الجامعة و رغِب الطالب في الوصول إلى أبعد مدىً مع الجامعة، عليه ان يلجأ حينئذٍ إلى مكتب التحكيم المستقل بالمملكة المتحدة (OIA “ Office of the Independent Adjudicator)عن طريق الرابط التالي:
خــــــلاصةُ
خلاصةُ القول أن الطالب قد حصُل على البعثة نتيجة جدّه و اجتهاده، و قد كافأته الدولةُ على ذلك بمنحه بعثةً دراسيةً مُكلِفةً يتمناها الكثيرُ من أقرانه داخل السلطنة و من دولٍ عديدة، و قد منحته الدولةُ ثقتها كي يكون خيرُ ممثلٍ لها في دولة الابتعاث، و تلك مسئوليةٌ ينبغي أن يكون حاملُها على قدرها، و أن يكون خيرُ خلفٍ لمن أتى قبله و خيرُ سلفٍ لمن سيأتي بعده، و ليعلم الجميع أن آباءكم و إخوانكم قد ثابروا و اجتهدوا لتعبيد الطريق أمامكم و تركوا لكم إرثاً تفخرون به و يتطلب منكم عملاً صادقاً دؤوباً للمحافظة عليه.
و عليه ندعوا الجميع لقراءة دليل الطالب في الجامعة المُسجل بها الطالب بتمعُّنٍ و فهم ما به لتجنب الوقوع في محاذير قد يكون لها من الأثر السلبي على مستقبلهم الأكاديمي ما لا تُحمدُ عقباه و ما لا يرضى به الطالب و لا يتمناه. و لنعلم جميعاً أن الغش إنما هو ذميمةٌ تتعامل معها جميع المؤسسات التعليمية بصرامة على اعتبار أنه انتهاكٌ خطير.
و لنعلم جميعاً أن لكل مؤسسةٍ قواعد و ضوابط قد تختلف في بعضها عن المؤسسات الأخرى و عليه ينبغي ألا يركن أيُ طالبٍ للحصول على معلومةٍ جاهزةٍ في هذا الصدد من طالب آخر في جامعةٍ أخرى، و أن المشرف الأكاديمي بالملحقية الثقافية يمكنه دائماً التوجيهُ و المساعدة، على ألاّ يكون آخِرَ من يعلم.